ما كنة العملية السياسية الأممية باليمن تعاود الدوران من جديد.. ماذا يميزها هذه المرة ؟

صباح السقلدي

بصرف النظر عن مدى حجم الانسحاب العسكري الإماراتي من اليمن ومن الشمال على وجه التحديد، إلّا أن هذا القرار قد بَــثَّ الروح مِــن جديد بجسد العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة بعد موات دام أشهر... فهذا الحراك الدبلوماسي الأممي الذي نشاهده اليوم بعدة صور يقابله تجاوبا خليجيا ويمنياً بشكل لافت – على الأقل قياساً بالجولات السابقة التي كانت تنشط فيها الماكنة الأممية ولكنها ما تلبث أن تتوقف سريعا بفعل فاعل.. فاليوم لأول مرة تقريباَ يلتقي المبعوث الأممي السيد" مارتن جريفيت" بنائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز بمدينة جُــدة السعودية، وأبدأ هذا الأخير رغبة بلاده بالتسوية السياسية.


  فالأمم المتحدة كانت أعلنت  يوم الأثنين 15تموز يوليو الجاري عن توصل أطراف الصراع باليمن الى نقاط مشتركة، قائلة: ( المحادثات بين الأطراف اليمنية أسفرت عن اتفاق على آلية وإجراءات جديدة لإعادة فرض وقف إطلاق النار وعدم التصعيد، تنفذ في أقرب وقت..).


   جاء ذلك عقب اختتام اجتماع لجنة إعادة الانتشار في الحُــديدة الذي جرى على متن سفينة أممية بعرض البحر، حيث أعلنت البعثة الأممية أن الأطراف اليمنية اتفقت أيضاً على الجوانب الفنية لسحب القوات من المدينة وبعض الموانئ هناك،ومواضيع أخرى منها تبادل الأسرى والجانب الإنساني.


   من جانبه قال رئيس الوفد الحكومة- المعترف بها- في لجنة تنسيق إعادة الانتشار بالحديدة اللواء صغير بن عزيز :( الاجتماع المشترك للجنة الذي عقد اليوم الاثنين خرج باتفاق على آلية وقف التصعيد ومراجعة مفهومي عملية الانتشار في المرحلتين الأولى والثانية والتوافق عليها).


هذا فضلاً عن زيارة المبعوث الدولي الى أبوظبي وصنعاء،  التي وصلها ظهيرة الثلاثاء ،بعد يوم من لقاءه بالرئيس هادي ونائبه محسن الأحمر بالرياض، بذات اليوم الذي أقرَّ فيه مجلس الأمن تمديد عمل فريق الأمم المتحدة بالساحل الغربي " الحُـــديدة" لمدة ستة أشهر. 


     وعطفا كل هذه التحركات المكثفة وغيرها من الجهود المحمومة التي نراها فأن ذلك يشي إلى أن كل الجهات المحلية والإقليمية والدولية قد توصلت بعد قرابة خمسة أعوام حرب دامية إلى  قناعة مفادها أن الحل العسكري أصبحَ ضربٌ من ضروب الاستنزاف والعبث- إذا استثنينا موقف الرئيس الأمريكي ترامب الذي يحرص على إبقاء هذه الحرب مشتعلة بعد أن وجدَ فيها سوقا رائجة لأسلحته المتطورة – وأن الحل السلمي هو الدرب الوحيد المتاح أمام الجميع للخروج من هذه الدوامة.


   فالذي يجعلنا هذه المرة نعتقد بنجاح التوصل الى الذهاب الى طاولة   " المشاورات" بل وحتى الى المفاوضات كوسيلة لحل الأزمة اليمنية وربما القضية الجنوبية والى أمكانية وقف الحرب بالمحصلة النهائية والشروع  بعدها بتسوية سياسية شاملة، أو على أقلها خفض حدة المعارك بالجبهات الى أدنى درجة لها هو عدة متغيرات جرت بالآونة الأخيرة تمثلت في:


       التحالف " السعودية والإمارات" بات يشهد حالة تضعضع وأزمة داخلية صامتة.. فهو اليوم لم يعد يتمسك بالحال العسكري كما كان قبل أشهر، بعد أن تعثرت خطواته بالساحل الغربي ,وبعد أن تخلت الإمارات عن فكرة إسقاط العاصمة صنعاء بشكل نهائي وقررت أن تنسل خلسة من الشمال تاركة السعودية وحيدة ومكتفية بتعزيز حضورها بالجنوب  سواء من خلال إبقاء قوة عسكرية مباشرة أو من خلال تشكيلات عسكرية وأمنية جنوبية تم تأهيلها بعناية بالعامين الماضيين .


   كما أن تردي العلاقة بين التحالف وبالذات الإمارات وبين الشريك الأكبر داخل السلطة اليمنية المعترف بها المسماة بـــ" الشرعية"  ونقصد حزب الإصلاح المعروف بذراع الإخوان باليمن" الى درجة غير مسبوقة من التردي، بل ووصلت هذه العلاقة الى مرحلة الخصومة بل قل العداوة الصريحة. فالإمارات تخشى من التغول الإصلاحي بالمناطق التي تخلت عنها الحركة الحوثية , في وقت ما تزال جهودها تراوح مكانها من التعثر لإيجاد حليف سياسي وعسكري قوي داخل الشمال كحزب المؤتمر الشعبي العام" حزب الرئيس السابق صالح" الذي طفقت أبوظبي منذ شهور بإحياء مجلس النواب الذي يمتلك هذا الحزب الكتلة الأكبر داخله بقيادة الشيخ سلطان البركاني الذي يتواجد اليوم بالإمارات... فهي تسعى ليكون معها الأمر بالشمال على غرار ما هو قائما معها بالجنوب من حليف قوي يتمتع بشعبية كبيرة وقوة عسكرية وأمنية واسعة الانتشار كالمجلس الانتقالي الجنوبي يمكن الركون عليه كحليف يحفظ المصالح الإمارتية في قادم الأيام.


     السعودية وأن كانت ما تزال ترى بحاجتها الى إخوان اليمن لإخراجها من محنتها بالشمال فأنها بدأت تمتعض من هذا الحزب على خلفية تمترس جزء واسع مع خطابه بالخندق القطري، وهذا يعني أن الحاجة السعودية لحليف عسكري باتت تتلاشى على وقع الخذلان الإصلاحي للتحالف، وتحت كم الضغوطات الدولية لوقف الحرب ،هذا علاوة عن توجعها الصامت بحدها الجنوبي الذي يتعرض لهجمات برية جوية مستمرة. 


    كما أن حزب الإصلاح اليوم أصبح  يتوق الى إعادة ترتيب البيت الصنعاني من جديد بسبب ما يعتبره خُـذلانا وطمع خليجي، وهذا يبدو واضحا من خلال نعومة الخطاب الإعلامي الإصلاحي ولو على استحياء مع الحركة الحوثية، وهذه الأخيرة تبادله ذات المفردات ترطيب الأجواء وتتقاسم معه ذات التخوفات من الأطراف الخليجية وأطماعها باليمن, فهو أي الإصلاح بات في الأسابيع الماضية يقترب من الحركة الحوثية بذات القدر الذي يبتعد فيه عن التحالف- والسبب  كما يقول دوماً الاحتلال الإماراتي.


 أما فيما يتعلق بالحركة الحوثية فهي الأخرى أضحت تعاني من حصار اقتصادي محكم وعُــزلة سياسية محلية ودولية واسعة النطاق جعلتها  تتطلع بشدة لنهاية هذه الحرب أكثر من أي وقت مضى، نهاية على هذا النحو الذي ترى فيه خاتمة مشرفة لها قياسا بتفوق الطرف الآخر عُــدّة وعتادا وتأييد عسكري دولي،وبدعم دولي واقليمي سياسي هائل، ترى فيها نهاية بمذاق النصر، حتى وأن تظاهرت  بعدم انجرافها نحو مساع إيقاف هذه الحرب، أو بالغت بزهوها بسلاح جوها" المسيّـــر" وصواريخها الموجهة صوب الحد الجنوبي السعودي وتصنّــعت المكابرة والـتُــمنّع، إلّا أن الحقيقة أنها أي الحركة الحوثية" أنصار الله" باتت تنتظر نهاية قريبة لوقف هذه الحرب والحد من تباعاتها المريرة ،والخروج بالتالي من دائرة العُــزلة الخانقة إلى لاعب رئيس في فضاء الساحة السياسية الجديدة – أو هكذا تأمل الحركة الحوثية أن تصير الأمور-.

مقالات الكاتب

عدن ..مَن أطفأ الشُعلة؟

اليوم مرة أخرى يكرر المجلس الانتقالي الجنوبي مطالبته باعادة تشغيل مصفاة عدن ،ولا جديد في الأمر، حتى...