إبعاد أحداث عدن وحوار جدة

محمد السقاف

وصف البعض احداث ماجرى مؤخراً في عدن هو إنقلاب ثاني ضد الشرعية اليمنية بعد إنقلاب الحوثيين عليها وذهب البعض أبعد من ذلك بان ما جري في عدن ليس موجها فقط ضد الشرعية بل هو ايضا موجه ضد قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ؟

هل هذه المقاربة صحيحة ام هي مجرد  افتراءات أطلقتها جهات معادية للجنوب دفاعاً عن مصالحهم الشخصية اكثر من ما يدعونه دفاعاً عن الوحدة اليمنية او عن الشرعية ؟

اندلعت احداث عدن بعد مقتل  القيادي  البارز  في الحزام الأمني التابع للمجلس الأنتقالي  العميد منير اليافعي الملقب ب “ أبي اليمامة  “  بهجوم بصاروخ باليستي او طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون والذي تزامن هذا الهجوم  في منطقة الشيخ عثمان بعملية  نفذها تنظيم القاعدة بسيارة انتحاري في مركز شرطة  نتج  عنهما اكثر من ٣٠ قتيلا وعشرات الجرحي مما استدعي الأمر الي إعلان نائب رئيس المجلس الانتقالي النفير العام لأقتحام القصر الرئاسي الموجود في منطقة معاشيق حيث تتحصن فيها الحكومة  وقوات  الحماية الرئاسية  التابعة  للشرعية

وقد ادي خطأ الأستيلاء علي قصر معاشيق الي اعتبار هذا العمل بمثابة انقلاب ضد الشرعية قام بها المجلس الانتقالي بغرض فرض سلطة الامر الواقع في عدن  بغية استخدامها مستقبلاً كورقة ضغط في اى تسوية سياسية قادمة لتحقيق هدف الجنوب في استعادة دولته !!  والسؤال هل ما حدث هو انقلاب شبيه بانقلاب الحوثيين علي السلطة الشرعية للرئيس هادي ام ان الحالة الجنوبية مختلفة ؟  يري البعض ان الحوثيين قاموا بانقلاب حقيقي ضد سلطة الرئيس هادي الذي اعلنوا عدم الاعتراف بشرعيته في حين ان المجلس الأنتقالي والمقاومة الجنوبية ومختلف مكوناتها  تعترف  بشرعية الرئيس هادي فكيف يكون الجنوبيون انقلابيون وهم يحاربون في الساحل الغربي وصعدة ضد الانقلابيين الحوثيين فلم  يحدث ان حارب انقلابيون اخرون انقلابيون؟ وان حدث انقلابيون وقفوا ضد انقلابيون اخرون في التاريخ المعاصر يحدث ذلك من اجل استيلائهم للسلطة  وهذا لا لا يدخل ضمن اهتمامات الجنوبيون  الذين يهدفون من وراء معاركهم السيطرة علي  وطنهم الجنوب وتحريره مما يسمونه بالمحتلين  ( بالمفهوم السياسي )  من القوي اليمنية الشمالية   ولهذا وقفوا ضد تمدد الحوثيين االي عدن في مطلع ٢٠١٥ وحرروا بلادهم بدعم من قوات التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية

وعمدت بعض دوائر الأعلام المعادية  بالقول ان احداث عدن تستهدف قوات التحالف العربي وتضعف الحملة التي تقودها ضد الحوثيين والتمدد الفارسي في المنطقة بينما واقع الحال مختلف تماماً فما الذي دعي شباب المقاومة الجنوبية بعيداً عن اراضي جنوب اليمن الي القتال  في الساحل الغربي وفي صعدة واستشهاد الالاف من الجنوبيين في المعارك الم يكن ذلك   إستشعاراً منهم ان العدو واحد  والخطر واحد للوقوف مع المملكة ودول الخليج في مواجهة الطموحات الايرانية في المنطقة أذن من الواضح ان تللك الادعاءات تهدف الي خلق فتنة جنوبية - جنوبية بين الجنوبيون والرئيس هادي الجنوبي بالقول له انظر كيف  يريد الجنوبيون إسقاط  شرعيتك ياهادي وانت أول رئيس جنوبي يتولي الرئاسة علي اليمن الموحد !! وأزاء دول التحالف وخاصة السعودية والإمارات انظروا كيف يجازيكم الجنوبيون وانتم من دعمتهم في تحرير عدن وزودوتهم بالاسلحة ودربتوا وحدات المقاومة وهاهم الان ينقلبون عليكم فكيف سيكون مستقبل العلاقة مع الجنوب في حالة استعادة دولتهم التي يطموحون اليها  ؟

حينما تبين للجنوبيين  ان توجههم للوحدة مع اليمن الشمالي من منطلق قومي وعقائدي للزعامة الجنوبية الحاكمة قد فشلت ولم يتم الاعداد لها بشكل جيد وعلي مراحل الحرب التي شنها صالح في صيف ١٩٩٤ ضد الجنوب أدي الي نشأة الحراك الجنوبي السلمي المطالب باستعادة دولة الجنوب وفك رباط الوحدة مع الشمال

والكثيرون يعتبرون حتي اليوم ان المطلب جنوبي هو انفصال بذاته والذي يعني كمصطلح ما يردده الاخوة الشماليون ان الجنوب هو الفرع الذي عاد الي حضن الدولة الاصل  بينما  المطلب الذي سميته فك الارتباط يهدف الي أنهاء عقد الوحدة الذي تم بين دولتين ذات سيادة  رات احداهما انه لم يعد بالإمكان الاستمرار في اطار الدولة الواحدة  لاسباب مختلفة من تجربة واخري ونموذج الوحدة المصرية السورية حاضرة لدي الكثيرين في الجنوب

والغريب بعض النخب العربية البارزة  يذهبون الي القول بان الانفصال في الحنوب سيفشل كما فشل انفصال هرجيسا عن مقاديشو في الصومال متناسين ان لا الصومال الايطالي ( مقاديشو ) ولا الصومال البريطاني ( هرجيسا ) كانتا دولتان مستقلتان توحدتا فيما بينهما وما حدث ان توافقت بريطانيا وايطاليا ان تتزامن موعد استقلال مستعمرتيهما معا ليشكلا جمهورية الصومال الفيدرالية وتنظم بهذه الصفة الي الامم المتحدة

ويحلوا للبعض المقارنة بالتجربة الألمانية والتي بفعل نتائج الحرب العالمية الثانية تجزأت  بعد ان كانت دولة واحدة الي دولتين المانيا الغربية والمانيا الشرقية وفي عام ١٩٩٠ تم اعادة توحدهما واليمن لم تكن موحدة أصلا  وتوحد الجنوب والشمال للمرة الاولي في ١٩٩٠ ولم يتم اعادة توحدهما

وتدعوا الحاجة الي التوضيح ايضاً ان مطلب استعادة دولة الجنوب  الحرة ذات السيادة ليس هو مطلباً بدء مع تشكيل المجلس الانتقالي او ارتبط مع بداية عاصفة الحزم وانما  تجسد هذا المطلب بفشل الوحدة وغزو صالح للجنوب في ١٩٩٤  ولهذا أظهرت احداث عدن توافق الحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي علي هدف فك الارتباط والتمسك بشرعية هادي كرئيس وليس للفصيل الشمالي في الشرعية

وجاد رد فعل الحكومة  علي احداث عدن  بتبني موقف متشدد بان منع قرار صدر من رئيس الوزراء يقضي بعدم التعامل مع أي جهات خارج أجهزت الدولة في إشارة الي المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تعده الشرعية انقلابيا بعد سيطرته علي مواقع ومعسكرات تابعة للدولة وعلقت وزارة الخارجية عمل مكتبها في العاصمة المؤقتة عدن وكذلك عملت الشىء نفسه وزارة الداخلية لادارات الهجرة والجوازات والمالية وهكذا  اتخذت هذه القرارات لمضاعفة معانات المواطنين في الجنوب كنوعاً من العقاب الجماعي

وقد بادرت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارت العربية بتحرك سريع في محاولة  تطويق الأزمة قبل استفحالها   بالذهاب الي عدن وتشكيل لجنة مشتركة تشرف علي إنسحاب عناصر المجلس الأنتقالي وقوات الحزام الأمني من المقرات الحكومية اليمنية والوحدات العسكرية التابعة للحكومة  الشرعية ومن حسن الطالع تجاوب الجانب الجنوبي لطلبات السعودية والإمارات وقاموا بما هو ملزم  لتهدئة الاوضاع   في سبيل  عقد مؤتمر جدة التي دعت   السعودية الي انعقاده

وكانت الشرعية التي رحبت بالدعوة  أشترطت بان لا حوار قبل انسحاب المجلس المجلس الانتقالي من المواقع التي استولي عليها خلال الأيام الماضي وهو ما تحقق  وفق ما اعلنه الطرفان السعودي والاماراتي والمجلس الانتقالي

  مع ملاحظة هامشية بهذا الصدد ان الشرعية لم تضع شروطا مسبقة لعقد لقاءاتها بالجماعة  الحوثية الانقلابية بضرورة انسحابها من الدوائر الحكومية وتسليم الاسلحة التي استولت عليها وانما قبل اللقاء بهم واخرها ما حدث في لقاء استوكهولم

تمثل احداث عدن نقطة تحول مفصلية للازمة اليمنية فالقضية الجنوبية  هي لب   الصراع في الازمة يجب معا لجتها اقليمياً قبل ان  يتم تدويلها كما حدث في اطار الحرب اليمنية

كتب هذا المقال بتاريخ ١٧ اغسطس ٢٠١٩  ولاسباب خارج عن الإرادة ينشر من قبلي بتاريخ هذا اليوم  ٢٤ اغسطس ٢٠١٩

مقالات الكاتب