عدن كلما غبت عنها نازعتني إليها نفسي

أنور الصوفي

من بعيد رأيتها مبتسمة، من بعيد رأيت جمالها، كنت قادماً إليها، وكنت خائفاً من أن أرى دموعها، كنت خائفاً من أن أرى جراحها، لكنني لم أرَ إلا ابتسامتها، رأيت ثغرها متبسماً، رأيت وجهها متهللاً، شممت ريحها، نظرت في كل أعطافها، فرأيتها ناعمة، هادئة، مبتسمة، تلك هي حبيبتي عدن.


عدن ربما يجرحونها، ربما يحزنونها، لكنها تظل تلك الجميلة الفاتنة، فزرقة بحرها فتنة، وهواؤها العليل نعمة، فهي جميلة بكل تفصيلاتها، بكل تقسيماتها.


دمرتها الحروب، لكنها تظل عدن، حاولوا تشويهها، لكنها تظل تلك الساحرة، فجبالها، ورمالها، وبحارها، وسواحلها، وشطآنها، تكسبها طبيعة خلابة، غارت مدن العالم من جمالها، ومن فتنتها، فحاولوا الحد من فتنتها، فكرروا تمرير سيوفهم على تقسيمات وجهها الجميل، فظل جمال وجهها، وتكسرت سيوفهم.


من بعيد امتلأت مقل العيون بالدموع، فما يقارب الشهر غبت عن عدن، ولكنها لم تغب عن تفكيري، فهي ساكنة فؤادي، فكلما اقتربنا من عدن خفق الفؤاد، وترنم اللسان بذكرها، فعدن فاتنتي، وحبيبتي أيضاً هي عدن.


جميلة عدن فغديرها، وساحلها الذهبي، وساحل أبين، والكمسري، ومولاتها، وكل جولاتها، ومنعطفاتها، وجبالها تشعرك بمدنيتها، وتتكرر حكاية عشق كلما غبت عنها، فمن حل عدن، وسكن فيها عاش الحياة بكل تفاصيلها، ونهل من نعيم هذه الدنيا، فعدن هي هذه الدنيا، فالجمال فيها، والمتعة هي بيتها، والبساطة عنوانها، وأجواؤها هي رائعة في أجوائها، وبحارها، وسواحلها، ورمالها قمة في الروعة، ألا يكفيها أنها عدن؟!


عدن لو تركها الأشقياء تعيش بسلام، لرأيتها تتفجر جمالاً، ولرأيت جمالها ينبت من بين عيون أطفالها، ومن وسط حواريها، وأزقتها، ولكنهم لا يريدون لها أن تعيش، ورغم ذلك فعدن زينة المدن، وجميلة عصرها.


عدن ومن على ألسنة أطفالها تُبَث لهجتها الجميلة، فلهجة عدن على لسان أهلها طرب، وحديثهم بها موسيقى تطرب السامع، فمن سمع حديثهم بلهجتهم الجميلة علم جمال ألسنتهم، وعاش مع ذوقهم الرفيع في التفنن في دمج اللغات في لغة واحدة جميلة يطرب لها السامع، فعدن جميلة، رغم الجراحات، والأحزان، ورغم ذلك فهي جميلة الجميلات، وثغرها دائماً متبسماً، فسلام الله على هذه المدينة الساحرة الفاتنة عدن.


عند وصولي إليها أخذت بنصيحة ملك الطرب العربي أبوبكر سالم عندما ترنم بقوله: طف على شمسان واجزع ساحل أبين، والغدير، فطفت بحلوة الحلوات عدن وأنا أردد: أنتِ يا حلوة يا حلوة، ويا ما أحلى جمالك جمالك، وأنتِ يا حلوة يا حلوة، فإذا كانت الحلاوة محصورة في مدينة واحدة فقط فهي من نصيب عدن، بعد أن طفت بها، ارتاحت نفسي، فعدن كلما غبت عنها نازعتني إليها نفسي، فدعوها آمنة، فما أجمل هدوءها، وسكينتها، فيا ناس، ويا عالم ما أجمل عدن، فلا تشوهوا جمالها

مقالات الكاتب

ليلة القبض على راتبي

  عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص،  وص...