الكثير من الحمقى !!

كل الطرق في وجه الانتقالي لاتؤدي إلى روما .

هذا مايواجهه الانتقالي اليوم في "عدن" وما اكتشفه دونما مقدمات ، الطريق الخاطئة لن تؤدي بالنتيجة إلا لنهاية خاطئة أيضا .

ذات يوم وقف قيادي في الحراك الجنوبي فوق منصة خطابة بعدن وقال كلاما بذيئا ومجنونا.

سألته ونحن ننصرف من الساحة :"مادهاك ان تقول هذه الكلمات؟.

كانت الأجواء خانقة ورائحة عرق معتق تنبعث من الأرجاء مثلها مثل الكلمات.

التفت ناحيتي وأزاح نظارة عتيقة انسدلت على انفه وقال :" هذه الاشياء التي سنتفوق فيها على منافسينا من الأطراف الأخرى.

إطلاق الوعود الخيالية كان ديدن الجميع..!

ثمة خطأ وقع فيه الجميع منذ انطلاق الحراك كان عنوانه الشعارات المجنونة وغير الواقعية دون استناد حقيقي على قوة فاعلة للتطبيق على الأرض.!.

وعلى ذات المنوال سار "الانتقالي" منذ اللحظة الأولى لتولي قياداته مناصب في الحكومة وصولا لتشكيل المجلس ذاته.

أعطني سياسيا "أحمقا" أمنحك الكثير من الخيبات المتواصلة على الأرض ..

هذا ماجناه "الجنوبيون" طوال عقود ..

الكثير من الحمقى .. القليل من العقلاء.

بعد عامين على تشكيله يبدو واضحا ان الانتقالي علق في عنق "الزجاجة" ولم يستطيع الخروج منها أو العودة إلى الداخل.

فلا الانفصال وادارة الأرض ممكنا ولا العودة إلى وضع ماقبل الاحداث الأخيرة ايضا ممكنا.

قال لي قيادي كبير في الحزام الأمني :" هل لديك معلومات إلى أين سنذهب بعد رحيل "الإمارات"..!؟

قلت له :" ستسيرون على نفس الطريق ولكن في الاتجاه المعاكس..

يبدو السؤال حاضرا في حضرة "الانتقالي" أيضا، ولو ان ساسته أحسنوا التعامل ماوصلوا إلى ذات المأزق .

غادرت "الإمارات" جنوب اليمن ، لايحتاج المرء إلى فهم ان ذلك بات واقعا حقيقيا بعد 4 سنوات من الحضور. .

ضلت الحرب طريقها في عدن منذ الوهلة الأولى وباتت الخيبات الناتج الأكثر حضورا.

وضع "السعوديون" أقدامهم في عدن مؤخرا وعلى الأذكياء فقط فهم معطيات المرحلة القادمة.

تخوض "السعودية" حربا وجودية في اليمن ولا يمكنهم الاستدارة إلى الخلف ولا الانشغال بمعارك جانبية فالخطر الذي يداهمهم يأتي من شمال الشمال والطائرات المسيًرة تقلع من حدودها الجنوبية وليست من "عدن".

لايشكل جنوب اليمن مصدر أي خطر لهذه الدولة..

هل يعي قادة "الانتقالي"ذلك؟

اخشى ان اقول (لا)

مالايفهمه هؤلاء ان السعودية لن تدعم ميولا أخرى أبدا، لأنه وبكل بساطة ليس من مصلحتها ترك الشمال للحوثيين والغرق في نزاعات جنوبية جنوبية لن تجني منها شيئا.

لم تعد المشكلة شمالية جنوبية، ثمة انقسام جنوبي ضخم وليس لدى المملكة استعدادا لفتح ابواب صراع جديدة.

ليست الرياض في حاجة إلى رمال "إضافية" لتغرق فيها.

كيف ستتعامل السعودية حيال المشهد في "عدن"؟.

هل يستطيع الرفاق دفع مرتبات من يحرسونهم؟

قطعا :" لا..

إذا فخارطة الطريق واضحة.

دق التحية و واليد ..

في رمال الساحل الغربي يقبع منذ عامين طارق محمد صالح لتشكيل قوات هدفها العودة إلى صنعاء.

كان صالح عسكريا بارزا في زمن "اليمن الجميل" وعلى حين غرة سقط كل شيء، لدى الرجل معركة ثأرية مع منظومة الشرعية لكنه يتعاطى بذكاء مع المعطيات.

وجد الرجل نفسه محاطا برياح رمال الساحل الغربي في مهمة اشبه بالمستحيلة..

التفت "طارق محمد صالح" قبل أيام إلى معاونيه وقال لهم بصوته الجهوري:" لقد حان الوقت..

كان طارق ذكيا إلى حد كبير ، بدت المتغيرات متسارعة وعاجلة أدركها على عجل وكان لهيما .

خرج الرجل خاطبا ود الجميع .

قالها بلغة واضحة:" تعالوا نتحد .

مد يده للجميع ولوح بتقديم تنازلات ..

ثمة متغيرات ضخمة في الأفق وعليه ان يتعاطى معها بذكاء.

في النقيض تماما انشغل قياديو الانتقالي بنشر صورة لهم على متن طائرة خاصة مستأجرة .

التفت بعضهم ناحية بعض قال احدهم بإبتهاج :" الصورة نار نار ..

غرد اخر :" مستمرون على العهد ولاتراجع.

على خلاف الكثير من قادة الحراك والانتقالي يبدو ساسة الأحزاب اليمنية أكثر لؤما وحضورا وذكاء.

عبث الساسة الجنوبيون طوال عقد من الناس بوعي الآلاف من الناس الذين خسروا من حياتهم 12 عام وقفوا فيها تحت اشعة الشمس وسمعوا فيها الكثير من الخطب التي لم يحقق السياسيون منها شيئا.

في "عدن" تحلق عدد من النشطاء حول قيادي في الانتقالي بمقره العتيق بالتواهي .

قال الرجل وهو ينفث دخان سيجارته :" ماعاد فيش شرعية ولاحكومة بعد اليوم نحن من سيحكم..

على مقربة منه كانت امرأة مسنة تطرق أبواب مؤسسة حكومية سائلة :" جابوا راتب..؟

"الواقعية السياسية" تطل برأسها مجددا لكن من يفهم؟..

لم يكن "الانتقالي" و لاالحراك برجماتيا منذ لحظاتهم الأولى ولو أنهم فعلوا كانوا اختصروا الكثير من طول المسافات.

حينما اندلعت اشتباكات أغسطس الماضي كان الهدف عدم ترك الحلفاء المحليين للمجهول.

ظن كاتب السيناريو ان إثخان جراح الشرعية والرئيس هادي في محصلته النهائية اتفاق سريع المضمون.

كان إسقاط كافة معسكرات الشرعية ، نهب المؤسسات الحكومية وطرد المسئولين جرعة سم زائدة.

كان من المفترض تخدير الضحية لكنها للأسف ماتت.

كان الواجب والمفترض خنق الشرعية في نطاق ضيق بعدن ومن ثم فرض شروط عودة الحلفاء إلى السلطة .

اسقط الانتقالي كافة معسكرات الشرعية ، دمر كافة المؤسسات الحكومية ونهبها.

كل هذه الأشياء كانت مصادر قوة للجنوبيين انفسهم كان يمكن لهم مواجهة الشماليين انفسهم بكل هذه القوات وكل هذه المؤسسات.

واليوم تحاصر سكاكين التجزئة والهيكلة مجاميع الانتقالي ذاتها..

ما الذي خسره الشمال من كل ماحدث في عدن؟؟

لاشيء فقواته كما هي.

كانت الحسابات الخاطئة.

خسرت الشرعية كل شيء في حين عجز الطرف الأخر عن كسب شيء حقيقي وملموس .

وقعت "الإمارات" في خطأ فادح حينما حثت خطى المغادرة قبل التوصل إلى اتفاق آمن للحلفاء في جدة.

حينما أدارت الإمارات ظهرها أدركت الشرعية ان السعودية هي الواقف على الأرض في عدن وهذا ما منحها فرصة "المناورة" والمماطلة فليس لديها ماتخسره.

بحسبة سياسية بسيطة لاتتشارك "السعودية" مع الانتقالي في أيا من الأهداف الخاصة لدى "المملكة" هدف مركزي ولن تتخلى عنه وأي تخلى يعني فشلا تاما في حرب اليمن.

أمام السعودية طريقان لا أكثر .

اما المضي على نفس الخطى السابقة في عدن وخسارة الجزء الأكبر من اليمن وخسارة المعركة برمتها واما استعادة حضور الدولة بمشاركة الانتقالي ذاته.

هذه أمور فشل "الانتقالي" في تفهمها وذهب بعيدا بعيدا ولامناص له إلا العودة اليوم .

يحتاج الانتقالي إلى التضحية بالكثير من الأكاذيب التي ساقها "السياسيون" طوال عامين لكي يخرج من مأزقه السياسي اليوم .

قليلا من الواقعية لا أكثر والعمل بحدود الممكن والمعقول .. فهل يفعلها؟

فتحي بن لزرق

20 اكتوبر 2019

مقالات الكاتب

واسأل نفسي

#وأسأل_نفسي!فتحي بن لزرق"إن الحياة كلمة وموقف، الجبناء لا يكتبون التاريخ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن...

هلال حضرموت

زرت حضرموت قبل أيام وتجولت في مدينة المكلا والتقيت بعدد كبير من أبنائها .هذه هي زيارتي الثانية للمدي...

خيانة التكريم

قبل 3 اعوام انتهى الزميل الصحفي "علي سالم بن يحيى " من تأليف كتاب عنونه بـ "القضية الجنوبية في الصحا...

#ايش_أصلك؟

فتحي بن لزرق وانا صغير أجبرتني الظروف وأسرتي على التنقل بين مدن يمنية عدة.. ومابين مدينة واخرى تشك...