حبة بلاط !


في نهاية 2015 وجهت لي دعوة مع عدد من القيادات الأمنية والعسكرية التي ظهرت بعدن عقب الحرب لزيارة مقر التحالف بالبريقة.

كان المقر عبارة عن مبنى تابع للمنطقة الحرة اُعيد تأهيله عقب تفجير تعرض له و لايزال كل شيء فيه جديد.

جلسنا برفقة عدد ضباط التحالف بقاعة فيها كراسي واسعة وبدأ الحديث.

سأل الضابط :" وش رايكم بالمقر؟

قفز واحد من القيادات وقال :" والله ممتاز لو لاانكم استخدمتم فيش كذا وكذا ووايرات كذا للكهرباء واللمبات كذا وجلس يشرح فين الافضل استخدامه .

انبهرنا من تفاصيل شرحه وغزارة معلوماته ، طلع الأخ كهربائي.

قام الثاني يعطي ملاحظاته على الجبس ويشرح يشرح طلع مليًس.

الثالث قال :" انا لما توضيت شفت كذا وكذا وكذا طلع سباك.

الرابع دق برجله على البلاط وانتقد طريقة التركيب طلع مبلط..

التفتوا إلى الخامس وسألوه :" وأنت وش رايك؟

ضحك وقال :" انا والله ماليش في البناء .

قال الضباط :" هذا اكيد قيادي عسكري.

ساد المكان حالة من الصمت رد الأخ على استحياء بالقول :" انا ميكانيكي..

وضجت القاعة بالضحك .

ضحكنا على طرافة الحدث وخيبة الواقع

التفت الضابط ناحيتي وقال :" ونت يافتحي وش رايك ؟

قلت :" ماعاد لي رأي بعد هذه الخبرات ..

وادركت يومها ان هذه المنظومة ستتعامل مع الدولة بعقلية السباك والمبلط والكهربائي والمكيانيكي وفعلا حدث ماتوقعناه.

وبعد 5 سنوات كاملة لاتزال "عدن" في حضيضها والسبب ان القيادات المؤهلة والكفوءة غابت عن المشهد وجي بالشغيلة وتم تسليمهم دولة بكل مفاصلها .

ولن تقوم لهذه المدينة إلا متى شاهدنا كفاءات الدولة والمتعلمين يقودون دفتها عبر بوابة مؤسسات الدولة .

اتفقنا واختلفنا الا اننا لن نختلف ابدا ان تشييد جدران الدولة ورصف حبات بلاطها واشعال نور ضوئها ودفع الماء في انحاء مواسير مائها لن يأتي الا متى ما سُلمت الدولة الى المتعلمين والمتنورين والمؤهلين امنيا وعسكريا ومدنيا وهذا ينطبق على كل الاطراف من شرعية الى انتقالي الى غيره من الاطراف.

تذكرت هذه القصة بعد خمس سنوات من وقوعها.

بعد 5 سنوات كاملة فشل هؤلاء في تقديم الدولة لنا وفشلوا ايضا في الاحتفاظ بمهاراتهم هذه فالسباك اضاع فنون السباكة والكهربائي اضاع فن الكهرباء وتفاصيلها والمبلط كذلك واصبحوا من اصحاب الجاه والمال والثروات الطائلة.

ولجأنا مرة أخرى إلى صاحب تعز والبيضاء .

فلا دولة ولا مؤسسات لاقينا ولا مبلط بقي بيدنا.

والى ذلك الحين ..

عندك حبة بلاط ياليد وواير كهرباء .

فتحي بن لزرق

24 ديسمبر 2019

مقالات الكاتب

واسأل نفسي

#وأسأل_نفسي!فتحي بن لزرق"إن الحياة كلمة وموقف، الجبناء لا يكتبون التاريخ، التاريخ يكتبه من عشق الوطن...

هلال حضرموت

زرت حضرموت قبل أيام وتجولت في مدينة المكلا والتقيت بعدد كبير من أبنائها .هذه هي زيارتي الثانية للمدي...

خيانة التكريم

قبل 3 اعوام انتهى الزميل الصحفي "علي سالم بن يحيى " من تأليف كتاب عنونه بـ "القضية الجنوبية في الصحا...

#ايش_أصلك؟

فتحي بن لزرق وانا صغير أجبرتني الظروف وأسرتي على التنقل بين مدن يمنية عدة.. ومابين مدينة واخرى تشك...