علي ناصر.. بين عنفوان الأمس وعنف اليوم والحلول الممكنة

وأنا أقرأ قبل يومين مقابلة صحفية للرئيس علي ناصر محمد، وهو يستعرض بعض المراحل في دولة الجنوب "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" والعلاقة مع الشمال ومع الجيران، وكيف كان يتم معالجتها في عهده بطريقة برجماتية في مواجهة حالة التطرف التي كانت تتبناها بعض القوى داخل الدولة بالجنوب حينها، مثل حل الإشكال السياسي والحدودي مع سلطنة عمان مطلع ثمانينات القرن الماضي، وطيّ صفحة مضطربة بعلاقة البلدين الشقيقين سواء على المجال السياسي أو الأمني والعسكري والاقتصادي، وإنهاء موضوع الحدود البرية والبحرية ومسألة الجُـزر بينهما. ومستعرضاً بذات الوقت الوضع البائس الذي يمر به اليوم اليمن بجنوبه وشماله، والحلول السياسية الممكنة التي تم طرحها من قِبل قيادات جنوبية منذ غداة حرب 94م، لحل موضوع تعثر الوحدة اليمنية منذ ذلك التاريخ، وللخروج اليوم من الوضع الموحش بصنعاء، الوضع الذي تعصف به حرب مدمرة أتت على الأخضر واليابس، والمشروع السياسي المنطقي لفض الاشتباك بين مشروعي: "التمسك بوحدة افتراضية لا وجود لها على الواقع، وانفصال مباشر صعب تحقيقه، في هذا الوقت على الأقل"، والمتمثّل بمشروع حل الدولتين بحدود عام 90م الذي طرحته قيادات جنوبية في مؤتمر القاهرة على وقع ثورات الربيع العربي كحل سياسي توافقي يخلّص اليمن من أزمته ويعيد للجنوب بعض من حقوقه المسلوبة، ولو مرحلياً.

كما عرّجَ الرئيس ناصر بهذه المقابلة على بعض من المحطات السياسية وعنفوان النضال الصادق بالعقود الماضية محليا وعربيا، والخلافات بين دولتي اليمن، والخطوات الوحدوية والتصالحية بينهما بالنصف الأول منذ مطلع السبعينيات، وفي عقد الثمانينيات، وصولا إلى يمن ما بعد وحدة عام 90م الفاشلة التي تم سلقها على عجل بين قيادتيّ الدولتين ودخول الجميع في دوامة العنف السياسي والعسكري المستمر حتى اللحظة.

كما لفتَ انتباهي عدة نقاط تعرّضَ لها الرئيس ناصر، وهو يشير إلى بعض المواقف القومية المشرفة لبعض الزعماء، وللجامعة العربية إزاء الخلافات العربية العربية، والصراع العربي مع العدو الصهيوني، نورد منها النقاط التالية:

- النقطة الأولى: أشارَ وهو يتحدث عن ضرورة وقف الحرب المدمرة الدائرة اليوم باليمن، وعن الدور الذي يجب أن تضطلع به الجامعة العربية لوقفها. كما أشار إلى حربَي: 1972م 1979م التي اندلعتا بين دولتي اليمن، وكيف كان للجامعة العربية ولبعض الزعماء العرب دور إيجابي لوقفها وحقن الدم اليمني، حيث استضافت القاهرة على خلفية حرب 72م لقاءً تاريخياً بين رئيس حكومتي الدولتين: علي ناصر محمد، ومحسن العيني، ليشكّل ذلك اللقاء البذرة الأولى للمساعي اليمنية الوحدوية بين الدولتين، وكيف كانت الجامعة العربية في تلك الفترة خير سند ومُعين، تقف بمنتصف المسافة بين الفرقاء العرب. وأشار ناصر كذلك إلى المعالجات العربية للحرب اليمنية الثانية عام 79م، وإلى الدور الرائع الذي قام به أمير دولة الكويت الراحل جابر الصباح، حين جمع بين قيادتيّ الدولتين حينها، الرئيسين الراحلين: صالح وعبدالفتاح، للتفاوض لوقف تلك الحرب والتوجه صوب التسوية السياسية، وهو ما حدث فعلاً بأقصر مدة. وهذا الموقف القومي العروبي المشرف من الجامعة وأعضائها كان يعبر حينها بجلاء عن استقلالية القرار العربي سواء على مستوى الجامعة العربية أو على مستوى أنظمة الحُـكم منفردة، أو بالأصح بعض الأنظمة العربية، وكيف ظلت فلسطين قلعتنا ودمعتنا وبوصلة المحارب العربي، وظل الحرص على الاستقرار والأمن العربيين هاجس الجميع ورفضا عربيا للتداخلات المدمرة من قِبل القوى العظمى، مواقف مشرفة فعلاً قياساً بما نشاهده اليوم من هوان وتبعية عربية، ودوران مُذل في فلك دول الغرب وأمريكا، وإسرائيل على وجه الخصوص، تبعية تنتهجها الجامعة العربية اليوم ومعظم الأنظمة العربية والثرية بالذات، وباتَ الأمن العربي بسببها مستباحا، والقرار السياسي والسيادي العربي مرهونا للغرب ولواشنطن؛ بل ولتل أبيب، وتحولت الجامعة العربية إلى داعية حرب وتمزيق بعد أن أصبح قرارها يكتب بخط خليجي محض وبنكهة أمريكية بامتياز، قرارات تُرسل من واشنطن وتُعلن من الخليج والقاهرة.

- النقطة الثانية: في تلك المقابلة، هي إشارة الرئيس علي ناصر إلى الدور القومي المشرّف للشيخ زائد بن سلطان تجاه مصر العروبة، وكيف أنّ الشيخ الراحل أستقلَ طائرة خاصة مطلع عام 70م أي قبيل إعلان استقلال بلاده بعامٍ واحد وقُبيل وفاة الزعيم عبدالناصر بأشهر للتوجه إلى مصر لشدّ عضدها وعضد الزعيم جمال عبدالناصر بمعركته ومعركة الأمة مع العدوين: الصهيوني والاستعماري الغربي بعد عدوان 67م.

- النقطة الثالثة: التي عرّج عليها الرئيس ناصر محمد، والتي يمكن من خلالها أيضاً وضع المقارنة بين حرص الزعامات العربية على رأب الصدع العربي عند كل خلاف وتفضيل السلام على الحرب حتى وإن أتى ذلك متأخراً، وبين الحال اليوم من بؤس وضياع بسبب طيش وحماقات زعامات اليوم وارتهانها للغير. فقد ذكّرنا الرئيس ناصر محمد بقمة جامعة الدول العربية في الخرطوم عام 67م، تلك القمة التي وضعت أسس إنهاء الحرب الأهلية في اليمن الشمالي من خلال التفاهمات التي جرت بين الزعيم جمال عبدالناصر والراحل فيصل بن عبدالعزيز، وهي أيضا القمة العربية التي عرفت بـ "قمة لاءات الخرطوم الثلاثة تجاه إسرائيل"، وأوقفت هذه إلى حدٍ كبير التدخل الخارجي السلبي بالشأن اليمني الشمالي الذي استهدف إسقاط الثورة بصنعاء وكبح الصحوة القومية العربية باليمن لمصلحة قوى الاستعمار الغربي وأعوانه بالمنطقة.

مقالات الكاتب

عدن ..مَن أطفأ الشُعلة؟

اليوم مرة أخرى يكرر المجلس الانتقالي الجنوبي مطالبته باعادة تشغيل مصفاة عدن ،ولا جديد في الأمر، حتى...