الميسري رجل بحجم الوطن

قد يخسر الميسري منصبه في الحكومة غدًا؛ لكنه سيتحول لبطل قومي متجاوز للجميع، قد يخسر المكان المؤقت الذي يقف فيه؛ لكنه سيكسب المكانة الخالدة في وجدان الجماهير، إنه يعلن استعداده للتضحية بالمكاسب الظرفية؛ ليؤسس لخلود سياسي أكبر، وإن هذا المجد الشعبي الذي يحصده الرجل هو أثمن مكسب، وأرفع قيمة من كل مناصب الدنيا. 

ليس الميسري سياسيًا خارقًا أو شخصًا عبقريًا، هو مسؤول عادي وما يقوم به يمكن لأي مسؤول فعله، وربما هناك مسؤولين أكثر دهاء منه وأشد فطنة وذكاء، لكن الفارق بينهم وبينه، هو صدق الضمير، إننا في الحقيقة وبالمقام الأول لا نعاني من بلادة العقول السياسية في البلاد؛ إنما من خراب الضمائر وموات النفوس، وهذا ما يبدو أن الميسري متعافي منه. فالرجل حدد وجهته بوضوح وقرر المواجهة بصورة كاملة، وهنا مكمن قوته، لسان صادق وضمير حي، مواقف متجانسة وثبات متتابع، وتلك هي مؤهلات المجد وثمن الشرف الذي حازه الرجل بسهولة.

ألا يتساءل الساسة في أنفسهم، لماذا يحتفي الناس بالميسري..؟ لماذا يرفعون صوره على صفحاتهم ويدافعون عنه في مجالسهم ويتناقلون حديثه في كل مكان، ألا يتسفزهم الأمر فيشعرون بالخجل وهم يرون فارق الموقف بينهم وبينه..؟ 

هل تعرفون الفرق، إنكم تحرسون مكاسبكم بمداهنة أشقاء الخارج، تتذللون لهم كي يستمروا في منحكم ثقتهم، لكنه يحرس مجده بالإنتماء للداخل، يستمد قوته من جذوره الشعبية، بالعودة للذات وليس باللهاث خارجها، يعلن انحيازه المطلق لقضية الدولة ويكاشف الناس بما يجري في بلادهم، يضعهم في الصورة، فيضعوه على جباههم كنوع من مبادلته الوفاء، هذا ببساطة ما يقوم به رجل يحترم الناس فينال احترامهم، ولا يوجد شعب ترد الجماهير فيه لمسؤوليها المكرمة مضاعفة كما هو الحال لدى هذا الشعب الكريم والمتعب. 

إنهم يدفنون رؤوسهم بين أقدامهم ويتوارون في الظل وقد فقدوا القدرة على الكلام وتسجيل موقف مشرف يعيد إليهم إحترامهم لأنفسهم، يتابعون حال البلاد من خلف شاشات هواتفهم ويكتفون بالمراقبة من بعيد بإنتظار غد مجهول يخشون فقدان أماكنهم فيه، على العكس من هذا يقف الميسري في وضح النهار ويعلن موقفه كما لو أنه يتوجه نحو قبلة البلاد ويكبر للصلاة أمام الملأ.

يعتقدون أنهم أكثر حصافة منه وأكثر براجماتية في الحديث ؛ لكنهم في الحقيقة أقل جسارة منه وأعجز عن القيام بما يقوم به، حصافتهم جبن فاضح واحترازهم في الحديث أنانية مكشوفة، حكماء في اللحظة الخطأ، ومثيرين للشفقة، يتحدثون بحذر وبلغة رمادية وألسنة مرتجفة.

هو أكثرهم عرضة للتهديد؛ لكنهم أكثر منه خوفًا على مستقبلهم، يتحركون تحت رحمة الخارج ورضاه فيما هو يتصرف تحت مظلة الداخل ويستمد أمانه المستقبلي من رضى الناس وتمثيله لمواقفهم. من هو الذكي بربكم، هذا الذي يتحدث بلغة شامخة وضمير حر ويراكم السمعة الطيبة ويحوز الشرف الوطني، أم ذاك الذي يعيش مرتجفًا في فنادق الرياض يخشى انزلاق كلمة تغضب ولي نعمته ويبذل كل جهده ليخطب وده..؟  

كل شيء سينتهي، المال والنفوذ ومكاسب المنصب جميعها، لا شيء يتبق للمسؤول سوى ما يحصده على صعيد القيمة والمعنى في قلوب الجماهير، هذه الحظوة الشعبية التي اكتسبها الرجل هي كنزه الثمين الذي لن ينفد، متراسه الأزلى لحماية صورته من كل مؤامرات الأنذال، ورافعته الصلبة في وجوه المتربصين به في الداخل والخارج.

*عودوا إلينا كما هو حال الميسري ولن يخذلكم الشعب، انظروا كيف يحتفي الناس بالرجل، وعودوا إليهم بكامل خطاياكم السابقة وسوف يتجاوزا عنكم وندشن بداية جديدة لنا ولكم وللبلاد جميعها.

مقالات الكاتب

كاد المعلم ان يكون رسولا

كاد المعلم ان يكون رسولا ..هذا البيت الشهير لاحمد شوقي يوضح بشكل كبير مدى دور المعلمين في حياة الأمم...

لماذا الهجوم على الداعري

مشعل الداعري شاب اداري ناجح وقد اثبت نفسه وقدراته في الاونة الاخيرة دمث الاخلاق ويريد الخير لاهله وم...