أسعيد : لماذا قتلوك؟


   بكت مودية، وحُق لها أن تبكي، وذرفت الدموع، وحُق لها أن تذرف، وارتجت الأرض لسماع استشهاد بريء اسمه سعيد، ذنبه، لا ذتب له إلا  أنه خرج عند سماعه رصاصات الموت، ذنبه الوحيد أنه بريء، وضف لذلك أنه ابنٌ لأنزه رجلٍ عرفته مودية إنه الأستاذ والمربي الفاضل عبدالله صالح، ولقد هممت بالاتصال بأبيه ولكن الدموع منعتني من رؤية رقمه، أردت أن أحدثه، وأعزيه، ولكن العبرة خنقتني، وتبلدت الحواس، فماذا عساني أقول له؟ ماذا عساني أقول لأستاذ الأخلاق الراقية والتعامل الحضاري، وصاحب الكلمة الطيبة؟ ماتت الحروف على أبواب مخارجها، وتلعثمت الكلمات، وخرست الألسن لموت سعيد، فماذا عسانا سنقول في مشهد استشهاده؟

سمحت للدموع لتنهمر، لأبوح بحزني، ولأتجرد مما ألم بي من موقف صادم، فإلى متى سنظل نقبل القتل، وهكذا وبدون سبب؟ 

فبدمٍ بارد جاء أهل الغدر، فانتزعوا منا سعيداً، ولقد بحت بما لدي في هذه الكلمات في رثاء ابننا جميعاً، ومما خفف من حزني أن أباه هذا الرجل الطيب لن تؤثر فيه مثل هذه المصيبة، فعلاقته بدينه متينة، ومثل هؤلاء الرجال الرجال لا تؤثر فيهم مثل هذا المصائب رغم عظمها وفداحتها.

 أسعيد ، لماذا قتلوك؟ ألطيبتك، أم لطيبة أبيك، أم لنبل أخلاقكما معاً؟ اثبت أيها الجبل الشامخ، اثبت أستاذنا الجليل، اثبت فهذا قدر الطيبين أمثالك، قدرهم أن يظلوا مدرسة للعطاء والبذل، فسعيد الكل بكاه، أتدري لماذا يبكيه الكل، لأنه يتمتع بطيبتكم، فقد زرعتم فيه التربية الحسنة، لهذا أحبه الجميع، وبكاه الكل، فمن يعرفه بكاه لشخصه، ولأنه ابنك، ومن لم يعرفه، بكاه لأنك أبوه، فافرح أستاذنا فابنك شهيد بإذن الله، فالناس شهداء الله في الأرض، وكل من سمع باستشهاد ابنكم أثنى عليه، وهذا يدل على تربية عظيمة لأب فاضل زرع في نجله الأخلاق، وماذا عسانا نعدد في مفردات أخلاقكم؟!

  أسعيد، موتك فاجعة لنا، ورصاصات غدرهم خوفاً وهلعاً ستظل تلاحقهم، ألم يعلموا  نقاءك وطهر قلبك، أيها الغالي على قلب أبيك؟ ويحهم كيف سمحوا لغدرهم بملاحقتك وقتلك؟ ألم يروا روعة البراءة في وجهك، ألم يتمعنوا بشهامتك ونبلك؟ ولكن أنى لهم ذلك وقد تعودوا على الغدر والخيانة.

 أسعيد، هناك رب عدل سيقتص منهم، أما أنت فيكفيك أنك قد مت بريئاً، وشهيداً بإذن الله، والعزاء لنا بعد رحيلك، ونقبل رأس أبيك الذي رباك وأحسن تربيتك، فهو رب الأخلاق الفاضلة، فقد غرسها في تلاميذه، فكيف لك وأنت قد تشربتها بين يديه، رحمك الله، والله نسأل أن يصبر أباك وأسرتك، وكل محبيك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات الكاتب

ليلة القبض على راتبي

  عندما سمعت بأن الراتب قد نزل عند القطيبي خرجت مسرعًا، ووقفت في طابور بعد خمسة أشخاص،  وص...