لا تشاور يشبه التشاور ، ولا حوار يشبه الحوار

حال وصولي إلى مسكني  من مطار عدن الدولي بعد رحلة سفر طويلة و متعبة ، وإذا بهاتفي يرن مرة ولم ارد ، ثم رد ابني قائلا للمتحدث من الطرف الاخر : "أمي ليست هنا وسوف تتصل بك "، فاضطرني للاتصال ، إذ بالمتحدث يدعوني لحضور" لقاء عدن التشاوري الاول " برعاية نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية ، مع إعطائي فرصة في الحصول على بعض الدعوات لدعوة من أرغب في حضوره ، وفي الجانب الاخر تسألني إحدى الاخوات : " هل استلمت دعوة  من المجلس الانتقالي " تدشين إنطلاق المرحلة الثانية من الحوار الجنوبي ، بالعاصمة الجنوبية عدن " برعاية الامم المتحدة ، أجبتها : " لا ، لم أتلق أي دعوة ؟ أدركت حينها أن الامر فيه من التعجب والتساؤل لا حدود له   ،.

ومن أجل عدن تحمست ، وذهبت بمعية بعض الاخوات الرائعات ؟؟؟؟؟ ، وعدت إلى مسكني لأخذ قليلا من الراحة ، لا ، بل كثير من الراحة  ، وعند المساء وأنا في انتظار الاعلان عن ظهور هلال رمضان ، ظهرت بدلا عنه منشورات كثيرة من المدح والذم والسب والشتم ، والاحقية والاولوية ، والنجاح والفشل ، والكذب والصدق ، والحضور والغياب ، والتمثيل وعدم التمثيل ...إلخ ،  انقسمت بين فريق لقاء عدن التشاوري من جهة وبين فريق تدشين إنطلاق م/2 من الحوار الجنوبي من جهة أخرى ، ولا أعرف ما الذي يريده كل فريق من الاخر؟! ، فاستمعت إلى كلمة كل من الاخ / أحمد الميسري ، والاخ/عيدروس الزبيدي" مع حفظ الألقاب" عن التشاور والحوار ، فالمسألة ليست لعبة لغوية لتبادل الكلمات ، وليس دغدغة للمشاعر بعبارات الحماسة والشعارات ، وليس استعراض للمشاكل في عدن والعلاقات بالتحالف، وليس بكم ونوع الحاضرين والحاضرات ، وليس باستخدام مكونات ابناء عدن والانتماءات ، وليس هي لعبة الثعلب فات فات ، فالعالم من حولنا أصبح يراقبنا بعين ثاقبة ، ويدرك حجم الخلافات ، ومستوى التناقضات ، وقدرة كل طرف في التعامل معها ، فلقاء عدن التشاوري – على الرغم من الكم الهائل في الحضور-، لم يكن له علاقة بمفهوم التشاور المشتق من مبدأ الشورى والتي  تعني أخْذ آراء الآخرين حول مسألةٍ معينةٍ للوصول إلى الرأي الصائِب أو الأقرب إلى الصَّواب وتحقيق رضا معظم الحضور، كما كان بعيدا عما يتصف به أهل التشاور بأن يكونوا / تكن أصحاب /ات خبرةٍ وفطنةٍ، وعدلٍ ورجاحة عقلٍ بعيدين عن الاتصاف بالتحيّز والتمييز، وممن يجب أن يتقبلوا/ ن الرأي الاخر، وفي الحوار - وأن كان تدشين –  الذي هو مناقشة بين طرفين أو أكثر، يقدم فيها المتحاورون الأدلة والبراهين بهدف معرفة الحقيقة في قضية ما والوصول لها بإظهار الحجج وإثبات الحق في كلامهم ويكشف كل طرف ما خفي عن الطرف الأخر،  كما انه لم يحقق اهدافه وهي :- معرفة الحقيقة ، وأن يكشف كل طرف ما يخفى عن الطرف الأخر، وضع الدلائل للمعرفة والوصول إلى الحق، و إقناع الطرف الآخر بالأدلة ، وضع حل وسط يرضي جميع الأطراف ، التعرف على وجهات النظر عند الجميع ، تعديل الأفكار غير الصحيحة ودفع الشبهات في القول والرأي، البحث من أجل التنويع والقراءة من أجل الوصول إلى نتائج أفضل في الحوارات التالية ، فكل هذه الامور لم نلتمسها في الحوار الجنوبي الاول ، كي يتم تدشين حوار جنوبي ثاني ، كما وانه من غير المعقول ان يتم تدشين حوار ثاني ولم تتحقق نتائج للحوار الاول ، ولم تحضر مكونات أخرى متعددة ومتنوعة ومختلفة كي يتم معها بدأ الحوار الثاني ، وفي الكلمتين : كلاهما اكدا على المشاركة والانفتاح على الجميع ، وعلى حتمية التماسك بين الجنوبيين ، وفي القضايا أحدهما أقتضب حديثه عن الفساد الاداري والمالي والاخر عن قضايا تهم المستقبل ، وتناسى كلاهما ان القضية / المشكلة تحدد وتدرس أسبابها ونتائجها ، وينبغي أن توضع آليات بناء الاهداف بشأنها لتحليل المحيط والبيئة الخاصة بالقضية ، وتحديد خطة العمل والوسائل والموارد بشأنها من اجل إعداد خطط للتواصل مع الجهات المعنية ، لكن ماذا إذا كانا هما سبب المشكلة / القضية أو جزء منها بصفتهما الوظيفية السابقة أو الحالية ..وغيرها ، أو كان واحد / ة ممن يخضعون لإدارتهما أو مسؤوليتهما أو قريتهما أو محافظتهما أو كان التحالف هو سبب من اسباب بعض أو الكثير من المشاكل في عدن خاصة أو الجنوب عامة  ؟! وفي علاقتهما بالتحالف " السعودية والامارات " أكدا على ما قدمه التحالف من تضحيات ولم يمانعا من تقديم التنازلات – كما جاء في قول رئيس المجلس الانتقالي - ، إلا أنهما اختلفا في الكلمات ، " من منطلق اعتبار أنه نقذ بناءا ولا يؤخذ في سياق اخر- هذا قول نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية - " ؛ إلا أنه غزل  في مضمونه استمرار التنازل ، و" ليس الى تصحيح الوضع ، كما - جاء في بعض المواقع الاخبارية- وإلا لما كان نقذ بناءا ، ولا يسعني سوى بأن أؤكد للفريقين أنه لا قيمة للحوار أو المناقشة او التشاور إذا لم يكن للمشاركين فيها حرية كاملة لقول الحقيقة وتقديم المشورة الصائبة ، فمعنى الشورى تضامن المجتمع على أساس حرية التشاور والحوار الحقيقي المستمد من المساواة في حق التفكير والقول وتكافؤ الفرص ، ومن طبيعة أي حوار هادف، أن يؤدي إلى التفاعل والمشاركة بين المتحاورين ، لذا لا يتحقق معنى الحوار إلا بوجود هدف أو غاية يراد تحقيقها أولاً، كما لا يكون حواراً عندما يكون هناك طرف يملي إرادته على الآخر؛ وعلينا الاستيعاب أن الحوار الذي ترعاه الامم المتحدة أو تشرف عليه هو آلية تستخدم  لإدارة الواقع الجنوبي الحالي  فائق التعقد بتنوع مكوناته وتشابك علاقاته وتسارع أحداثه ، ويتطلب هذا التعقد أشكلا مختلفة من الحوار وهي :- الاقناع ، التفاوض، الاستقصاء ، التشاور، وهذا الذي ينبغي أن نقوم به كجنوبيين تجاه ومع بعضنا البعض ؛ كلمة أخيرة إن استخدام عدن "الشماعة " كعامل جذب لاستقطاب أبناءها بذلك الاسلوب العبثي ، يفرغ قضية عدن من محتواها ، كمدينة تحتاج بالفعل إلى استعادة مكانتها التاريخية ، ويحتاج أبناءها/ بناتها للتعبير عن رؤيتهم/هن في كيفية معالجة القضايا ، وليس في تقديم الشكاوى مثلما تظن المنصة ، كما لا يظن أصحاب الدعوة ، بان دعوة ذلك العدد من أبناء وبنات عدن هو احترام لهم/ لهن ، على العكس تماما هو استخفاف بحسن نوياهم/هن في الحضور، طالما وانه تم تكميم الافواه - باختتام الفعالية بكلمة  راعيها نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية – الفعالية التي ليس لها من عنوانها مكان -  " فلا شاورهم /هن  ولا تشاور معهم/هن" ، ، وفي تدشين الحوار لا أظن بان الامر كان افضل حالا في الحديث عن الجنوب" الشماعة " كجرعة مخدر للحضور ، ومنه إلى تحقيق الحرية و الاستقلال والعيش بأمان ، فإذا تم استيعاب ومعرفة مفهومي الحوار والتشاور بالفعل ، لما ترك الفريقين جوهر الموضوعين وأهميتهما وابعادهما ، وتفرغا لجلد بعضهما البعض .. .

مقالات الكاتب