إلى أبي .. الذي لم يرحل

عفراء الحريري

أبي . يا أعظم من عرفت :

و كل الدمع لايعادل حزني 

وانت حبيبي الأول ، لأن ليس مثلك أحد ، ولايشبهك أحد ، ولن يتكرر سواك أحد .

أبي . يا آية السماء ، ووجهه الأنبياء :  

أعذرني ياأبي ...

أعذرني على شقاوتي ، وتمردي ، وعنادي....

ويغفر ليّ عندك ، بأني كنت ومازلت وسأظل عند حسن ظنك بي .

فرضاك عني كان جواز سفر ليّ في قسوة هذه الحياة ، ومازلت قوية ياأبي وشجاعة  ، كما عهدتني ، ولا أحد يعلم بأن خوفك وقلقك الدائم عليّ ، يمنحني القوة لمواجهة الظلم والخطأ و القبح في هذا البلد .

كنا نختلف بعض الأحيان  في معالجة القضايا ، وفي الأخير تتفق معي بأن التجربة هي التي ستعلمني ، و تعلمت .

كنت تثق بي كثيرا ، ولم أكن أعاني من المشاكل التي تعانيها كثير من الفتيات والنساء في كنف ذويهم الرجال ، من قواعد  العيب والحرام الدخيلة علينا ، لأن المبادئ والقيم والأخلاق مغروسة  بالحامض النووي و DNA الموروثة منك ومن أمي فينا ، ثم  تربينا عليها وكبرت معنا .

أبي . ياماسة أغلى من الكون : 

أتذكر ياحبيبي ، أكبر خلاف بيننا كان على الوحدة اليمنية ، و قلت لك :  أنت و الخال عمر الجاوي تجرونا إلى مصير أسود " بعفوية فتيات الثانوية العامة "  وغضبت حينها مني ، غضب قاسي جدا ، وقلت ليّ : أنت لا تفهمين شيء في السياسة ولا ماذا يعني ذلك ؟ و كبرت ياأبي وتذكرت معك ذات يوم هذا الموقف ، فقلت ليّ : ليس الوحدة السبب ولا الناس ، ولكن القائمين عليها أخفقوا كثيرا ، و دفع خالك عمر الجاوي... وغيره الثمن . 

أبي .أياعبق الثرى : 

كم هو هذا الوطن ،  كلّ حياتك ؟ وكم فرصة إغتراب وهجرة رفضتها ، وكنت أكرر لكما دائما انت وأمي :" الله يسامحكما " ، لأنكما ترفضان الهجرة و الاغتراب عن هذا الوطن الدامي ، حتى حين تتعسر الأمور معنويا أو ماديا تقول لنا : 

" الوطن غالي " ، لن نفرط به ، وكبرنا أكثر ونحن والوطن ينافسنا  على محبتك . 

و أحداث كثيرة  في هذا الوطن تؤلمنا ، فقد رفضت أن تتنازل لأحدهم بأن يوظفني ، وحين تقدمت أنا للحصول على وظيفة ، رفضوني ، وحين تقدمت أمي لطلب وظيفة ليّ وفقا لقرار الأستحقاق والأحقية و التدوير أيضا رفضوا ، لأننا كنا في نظرهم أعداء للوطن - كما زعموا ويزعمون- ،  فعن أي وطن تتحدث ياأبي ؟ و رفاقك قد أضاعوا البوصلة مرة ومرتين ...وألف مرة ، البعض مرضوا ، والبعض باعوا  ، والبعض قد رحلوا .

لم يسمعوا  إستشارتك ولم يدركوا مفرداتها :  عن حماية البيئة " الارض والبحر والسماء" ، و ماهية الدولة الديمقراطية ، وكيفية إدارة مؤسسات الدولة ، والحافظ على الثروة والموارد وعن الاقتصاد .....؟ هم خسروك ياملاكي ، خسروك لأنهم لايريدوا الوطن ، وآخر إهتمامهم الإنسان فيه . 

سامحني ..ياأبي .

 يا أنشودة الخلود : 

كنت أريد أن أقول لك عند سفرك وانت حزين على وضع عدن وكل الوطن  : " لاتحزن يا عمري" ، لأن حزنك لن يغير شيء ، وعليك أن تفرح الان ، لأنهم تعروا بتعازيهم لنا ، تعروا لأن مثلك عقل لايهمله أحد ، و مثلك رجل لا يتجاهله أحد ، و مثلك شخص لا يتناساه أحد .

فسيرتك ومسيرتك تخجل أمامها كل السير ، و لا تساويها سيرة منهم ...أحد ، تعروا بموتك ياأبي ، وتمنوا أن تغلق صفحات سيرتك العطرة ، وتناسوا أن في التاريخ أمثالك لايطوي صفحاتهم الموت .

أبي . ياطهر الغيث : 

لن يستطيعوا ان يدينوك بشيء ، ورحلت وانت دائن لهم ، دائن لأنظمة الظلم والفساد ، دائن عن بيت دفعت قيمته نقذا ، ولم تستلم بقية تعويضه ، عن راتب أقل من راتبك الحقيقي - الذي سوف يسكثروه علينا الان - ، عن وظيفة مرموقة تستحقها أكثر وافضل من غيرك ، وكان كبرياءك أكبر من كل كروشهم مجتمعه ،   و كرامتك تسمو فوق كل مناصبهم وكراسيهم ....وكل ماباعوا  الوطن لأجله ، لذلك ياأبي أمثالك لايموتون .

أبي ياأغلى من روحي : 

قاس هو ملك الموت ، كنت أولى بحضوره أنا ولست انت ، كنت في سجودي دائما أدعو الله بأن يعيدك شافيا ومعافى و يأخذ من عمري ويعطيك اياه ولأمي وتعودا لنا بالسلامة ، و شككت بأن هناك خطأ حدث في أحرف دعواتي ، و صدمت حين قال أخي : " أمي تقول بأنك قلت لها إذا مت ، فلتدفنك في الهند "  أدركت إلى أي مدى كان حزنك على ذاتك ....، و نزل الخبر عليّ كالصاعقة ، قلت لأخي: " لا سيدفن هنا " ، و أخذت هاتفي واتصلت على أرقام موجودة لدي لبعض المسؤولين ، ترن الهواتف  دون رد ؟ ولم أصاب باليأس اتصلت بعم خالد عبدالواحد نعمان - ذلك الرجل الذي أعجز كيف أوفيه حقه و أرد جميله - وتلك التي دائما مااتعبها معي " أ.إحسان عبيد" ،  وبالفعل كما  توقعت ولم يخب ظني بعم  خالد عبدالواحد ، وهلت الاتصالات ، ولم انسى إتصال وموقف أخ وصديق لم يهمل الأمر  قام بالواجب كاملا " حسين هذيل " ، وموقف معالي رئيس الوزراء الذي لايضاهي موقفه أحد وتولى الموضوع من موقعه و كأن المتوفى قريب له ، من البدء في الاتصال بالتعزية إلى تقديمها شخصيا ومباشرة وبتواضع شديد ، ومثلهم هناك في الهند الاخ وليد الحرازي الذي لم يترك أمي وحيدة دونك ، والأخت أفراح الزوبا تلك التي تعرفت عليها عن قرب منذ زمن قصير ، وربما غيرهم/ وغيرهن ياأبي و لكنهم/ هن ليس على قرب مني ، هؤلاء ياأبي من أدرك حزني بألا تدفن بعيدا ...وانت كبيرة حاجتك بالعودة إلى حضن أمك الارض ، حتى وان كنت غاضب منها ، لم أصدق بأنك تريد أن ترحل عنها  كل هذه المسافات وأنت العاشق لها كيفما كانت وتكون ؟! فهذا ياروح روحي و أكثر ...هو الوطن الذي اوصيتنا به طيلة عمرك ، وهذه هي الارض التي  امرتنا بأن نراعيها في عجزها ، فهي التي يجب أن تواريك  .

 آه ياوجعي عليك و انت تحسب أيام عودتك بثوانيها ، وتخبرني ان حجز العودة في ٧ يونيو و انا أقرأه بعمى بصري ٧ مايو ، و كلما سألني أحد عن عودتكما أقول :  "  قريب هانت  في ٧ مايو ...، كان هذا التاريخ عالق في ذهني وثابت  ببالي وبشرت عنه الكثير ، ثكلتني أمي وليتها فعلت ،  و إذ ب٧ مايو يوم رحيلك بلا عودة ...الأ بئس لهذه البصيرة التي لاتفقه سر حدسها . 

فكيف صار يوم ٧ مايو مؤلم وليس فيه طعم الفرح كما ظننته و بشرت به الأخرين/ ات ، فأي بشرى حملتها ، بها مذاق سم ، مُر وعلقم ، أطفأت بها بسمتي و جزء شاسع نفيس من نفسي .

آه . ياللي وجعي و أنكساري وقلة حيلتي ... بفقدانك ياأبي .

  فأنت ...لم ترحل .

مقالات الكاتب